الثلاثاء، 22 يناير 2013

الروائي السوداني هشام آدم: الآخر هو أنا

العرب أونلاين- لنا عبد الرحمن

هشام آدم روائي سوداني، ولد بالقاهرة في 19 آيار 1974، صدرت له خمس روايات هي "أرتكاتا" و"السيدة الأولى" و"بتروفوبيا" و"قونقليز" و"أرض الميت". وهي روايات لا تُخفي سعي كاتبها إلى الخروج عن عمود السرد السوداني من حيث التجديد في الحكي لغة وفضاءات وأحداثا وشخوصا.

ينتمي هشام آدم إلى الجيل الشاب من الكتاب السودانيين، إلا أن تجربته الروائية سارت في مسار خرج عن المألوف بالنسبة إلى كُتاب جيله، ولعلّنا واجدون في روايته الأخيرة "أرض الميت" كثيرا من هذا الانزياح الذي ميّز تجربته الإبداعية، وهو ما حاولنا الوقوف على بعض مظاهره في هذا الحوار.

*من المألوف أن ينطلق الكاتب من محيطه الاجتماعي والحضاري، لكنك اخترت طريقا مختلفا في تشكيل عوالمك الروائية، لماذا اخترت الكتابة عن الآخر في ثلاثة أعمال روائية هي: أرتكاتا، السيدة الأولى، وبتروفوبيا؟
-ليس هناك ما هو مألوف في الفن، والكتابة الإبداعية، باعتبارها نوعا من الفنون، ينطبق عليها الأمر ذاته بصورة إجمالية. ليس ثمّة سبب مُحدد يجعلني أفرّق بين الكتابة عن الذات وعن الآخر من ناحية، وبين الكتابة عن منطقتي أو أيّ منطقة أخرى؛ فأنا أعتبر نفسي كائنا كونيا، وأعتقد أنّ أحد وظائف العمل الإبداعي هي التعبير عن الذات، ولكننا قد نتخذ، في سبيل ذلك، طرائق مختلفة. فعندما يكتب أحدهم عن الآخر، أفلا يكون قد فعل ذلك بصورة ذاتية؟ أعني ألا يُعبّر عن رأيه الذاتي والزاوية التي ينظر بها أو منها إلى الآخر؟ إذن؛ فهي كتابة عن الذات أو بها أو لها.

المشكلة ليست في الكتابة عن الذات أو الآخر، بقدر ما هي القدرة على التخلّص من الدائرة الجحيمية التي نجد أنفسنا متورطين داخلها، والمُعبّر عنها في قولنا "من المألوف" إذ ليس ثمّة مألوف في الكتابة الإبداعية، وإلَّا لما كانت الكتابة عملا إبداعيا وفنيا.

بالإضافة إلى المقاربة الشديدة التي أراها بين الذات والآخر، فذواتنا، بالنسبة لذوات أخرى، هي آخر، وكلنا داخلون في دوائر التقييم من قِبل الآخر بطريقة أو بأخرى، ونحن أيضا آخر بطريقة ما، ولكننا نحب دائما أن ننظر إلى أنفسنا على اعتبار أننا "معيار" والآخرون واقعون تحت دائرة هذا المعيار، دون أن نعلم أن معاييرنا الذاتية هذه مُستقاة أساسا من حركة الآخر، وحركتنا نحن داخل هذه الدائرة الكبيرة المُسماة "الآخر".

*لا يتنافى مصطلح "من المألوف" مع فكرة أن يكون العمل الإبداعي تعبيرا عن الذات، بل من هذا المنطلق نجد أن الكاتب السوداني يكتب عن بيئته وهي الأقرب إليه، وكذلك المصري، والمغربي…إلخ. وما وجدته في أعمالك أنها تتضمن كتابة عن الآخر، وأنت ترى أن هذه الكتابة أتت أيضا اعتبارا من أننا "معيار" والآخرون واقعون تحت دائرة هذا المعيار، هل قصدت أننا كعالم عربي، أم ما الذي عنيته تحديدا؟
عندما قلت إن الكتابة الإبداعية، كضرب من ضروب الفن، ليس به "مألوف" لم أكن أعني تحديدا فكرة الكتابة عن الذات أو الآخر، وإنما فقط فكرة تنميط الكتابة الإبداعية في إطار ما تعارف عليه الكثيرون، فالفن في أساسه أو في جانب مهم منه هو الخروج عن المألوف وليس مسايرته، وإلّا فأين الإبداع؟

أذكر أن الفيلسوف بول سارتر في إحدى محاضراته عن الفن، دخل إلى القاعة محمولا على نعش ووضع النعش على الطاولة وخرج المشيّعون دون أن ينطق أحدهم بكلمة واحدة، تاركين الطلاب في حيرة من أمرهم، وقبل أن يدب الصخب في القاعة فُتح النعش وخرج منه بول سارتر وهو يقول: "هذا هو الفن؛ الفن هو الإدهاش!" وانتهت محاضرتُه عند ذلك الحد؛ وسواء أصحّت الرواية عن بول سارتر أم لم تصح، فإن الفكرة إن الفن لا يُمكن أن يكون مما هو مألوف، بل هو على النقيض من ذلك تماما، فالأشياء المألوفة والمُنمّطة لا تثير فينا الدهشة، بينما ما يُثير فينا الدهشة فعلا هو ما يقع خارج إطار هذا المألوف.

والأنا المعيارية التي تكلمت عنها ليست هي بالتحديد الوطن العربي؛ بل يتعداه إلى ما هو أبعد؛ إلى الأنا الشخصية الفردانية "individually" وهي عبارة عن دوائر مُتداخلة ومتقاطعة بصورة مُربكة جدا، فأنا، كفرد، دائرة مُستقلة بذاتها، ولكنها مُتداخلة مع دائرة عائلتي الصغيرة، وهي كذلك مُستقلة بذاتها، وفي ذات الوقت مُتداخلة مع دائرة أكبر وهي المجتمع النوبي المُستقل بذاته والمُتقاطع، في الوقت ذاته، مع دائرة أكبر، وهكذا حتى يكون الفرد ككيان مُستقل جزءا من دائرة جهنمية كبيرة تُسمى المُجتمع البشري.

عندما تقولين إن الكاتب يكتب عن مجتمعه لأنه يعرفه ولأنه هو الأقرب إليه، فهذا هو تماما "المألوف" الذي أعنيه، فما الذي يجعلنا نعتقد بأننا فعلا نعرف مجتمعنا؟ أو أننا لا نعرف عن الآخر؟ هل لأننا لسنا راغبين في معرفته؟ أليست لنا منظومة من القيم نطلقها على مجتمعات بعينها؟ فكيف تسنّى لنا إطلاق تلك القيم عليها إن لم نكن نعرفها؟ وكيف نتأكد فعلا من أننا نعرف مجتمعنا إلى درجة تجعلنا نكتب عنه وننتقده؟ ولماذا أو كيف، برأيك، قد تُؤثر رواية مثل "الحرافيش" لنجيب محفوظ في قارئ سوداني إن كان مُراد الكاتب في الأساس هو الكتابة عن المجتمع المصري فقط؟ ولماذا برأيك قد تدهشنا إحدى روايات ماركيز أو إيزابيل أليندي إن كانت "ظاهريا" تبدو وكأنها لا تتقاطع معنا ومع واقعنا؟ الكتابة فعل كوني، من حيث أن الكاتب، كفرد، هو في أساسه جزءٌ من هذا الكون وتلك الدائرة الجهنمية التي تحدثتُ عنها آنفا.
*في رواية " السيدة الأولى" هناك أحداث تشبه إلى حد كبير ما حصل في الربيع العربي من ثورات، رغم أنك كتبتها قبل قيام الثورات العربية، ورغم أنها تتناول كما توحي أسماء الأبطال فيها بأن البلد المقصود هو أحد بلدان أميركا اللاتينية، هل هذا صحيح؟
-ربما كان ذلك من نوع المُصادفة غير المقصودة، ولكن القيمة الأساسية التي حاولتُ تضمينها في نص "السيّدة الأولى" هي الثورة واشتراطاتها؛ حيث أنني أزعم بأن الثورة الفعلية ليست هي مُجرّد السعي لتغيير نظام دكتاتوري ما، وجعل ذلك هدفا عاما للثورة، وإنما هي ثورة التغيير من الداخل، وجعل فكرة تغيير النظام وسيلة لتحقيق هذا الهدف، وليس هدفا قائما بحد ذاته. وربما الناظر إلى مآلات ما يُسمى بالربيع العربي يرى بصورة جلية، إلى أين قد يُفضي الأمر حين تكون الثورة في حد ذاتها هدفا يسعى إليه الثوار.

علينا أن نسأل أنفسنا: "هل نحن مؤهلون لمرحلة الديمقراطية؟" أم أن ثورتنا لتغيير نظام دكتاتوري سوف تنتهي بتخليق نظام دكتاتوري آخر وجديد؟ السيّدة الأولى "ليلاتيا" فهمت أن الثورة الحقيقية هي تغيير الذات كمرحلة أولى وأساسية؛ لذا فإنها كان يجب أن تلتصق بالجماهير، وأن تحاول التخلّص من إحساسها بالغربة عنهم، وذلك بالانتماء إلى هذه الطبقة. لابد للقيادات الثورية أن تكون جزءا أصيلا من القاعدة الجماهيرية. لابد أن تكون الثورة الشعبية مصحوبة بوعي سياسي ومدعومة برموز سياسية، حتى لا تكون ثورة مشوّهة وغير معروفة الأهداف.

إن الشعار الذي تبنته ثورات ما يُعرف بالربيع العربي: "الشعب يُريد تغيير النظام" يُمثل الجانب العاطفي للثورة، والثورة لا تقوم بالعواطف، وإنما كذلك بالفعل السياسي المنظم والتخطيط المُسبق، ولهذا فإن الفراغ السياسي الذي نتج عن سقوط بعض الأنظمة كان تعبيرا حقيقيا عن عدم وجود أهداف واضحة للثورة، لأن هدفها كان في أساسه هو "إزالة النظام" ولكن لم يتساءل أحد عن مرحلة مابعد إسقاط النظام وإزالته!

هناك 19 تعليقًا: